ضمان الجودة في العمل الصيدلاني

ضمان الجودة في العمل الصيدلاني

Ensuring Quality in Pharmacy Operations

صيدلي يراجع وصفة طبية
صيدلي يراجع وصفة طبية

المقدمة: قصة من واقع الممارسة الصيدلانية

في صباح مزدحم في صيدلية مجتمعية، كانت الصيدلانية المسؤولة تراجع وصفات الأدوية قبل صرفها. فجأة لاحظت أن زميلها قد صرف دواء بجرعة خاطئة لمريض مسن يعاني من ارتفاع ضغط الدم. لحسن الحظ، تم اكتشاف الخطأ قبل أن يغادر المريض الصيدلية، وتم تصحيح الوصفة في الوقت المناسب.

ابتسمت الصيدلانية وقالت:
"الأمر لم يكن ليحدث لو كان لدينا نظام مراجعة واضح لكل وصفة قبل الصرف." 

هذه الحادثة الصغيرة ليست نادرة، لكنها تختصر جوهر قضية كبرى في عالم الرعاية الصحية: الجودة في العمل الصيدلاني. فالجودة ليست مجرد دقة في صرف الدواء، بل منظومة شاملة تضمن سلامة المريض، وكفاءة الأداء، وتحسين الخدمة باستمرار.

ما المقصود بجودة العمل الصيدلاني؟

تُعرَّف الجودة في الخدمات الصيدلانية بأنها القدرة على تقديم رعاية دوائية آمنة، فعّالة، ومتمحورة حول المريض، ضمن إطار من الكفاءة المهنية والالتزام الأخلاقي.

يهدف نظام الجودة إلى ضمان أن كل خطوة في سلسلة العمل الصيدلاني - من استقبال الوصفة حتى متابعة المريض - تتم وفق معايير محددة ومتفق عليها.

الكلمات المفتاحية:

  1. جودة الخدمات الصيدلانية
  2. تحسين الجودة المستمر
  3. سلامة المرضى
  4. الممارسة الصيدلانية الجيدة
  5. ضمان الجودة
عناصر الجودة في الصيدلة
عناصر الجودة في الصيدلة

أولاً: ضمان الجودة

Quality Assurance (QA)

يشير مفهوم ضمان الجودة إلى مجموعة الإجراءات المخططة والممنهجة التي تهدف إلى التأكد من أن الخدمات الصيدلانية المقدمة تلبّي المعايير المتفق عليها.

في الصيدلية، يعني ذلك:

  • وجود سياسات وإجراءات مكتوبة لكل عملية (مثل صرف الأدوية، تخزينها، متابعة صلاحيتها).
  • تدريب العاملين بشكل دوري على معايير السلامة والجودة.
  • مراجعة دورية للأداء والتحقق من الالتزام بالإجراءات. 
إن ضمان الجودة لا يقتصر على تصحيح الأخطاء بعد وقوعها، بل يركّز على منعها قبل حدوثها من خلال تصميم أنظمة عمل آمنة وواضحة.

مثال عملي:
في صيدلية مستشفى، يقوم فريق الجودة بمراجعة 10 وصفات عشوائية أسبوعيًا للتأكد من سلامة الجرعات وتوثيق التوصيات السريرية. هذه المراجعة لا تُستخدم للمحاسبة، بل للتعلّم والتحسين.

ثانيًا: تحسين الجودة المستمر

Continuous Quality Improvement (CQI)

بينما يهدف ضمان الجودة إلى الحفاظ على المستوى المطلوب، فإن تحسين الجودة المستمر (CQI) يذهب أبعد من ذلك — فهو يسعى لتطوير العمليات بشكل دائم لتصبح أكثر كفاءة وأمانًا.
مفهوم CQI مستمد من مبادئ إدوارد ديمينغ (Deming) الذي دعا إلى "التحسين الدائم للعمليات وليس الأفراد فقط".

في العمل الصيدلاني، يشمل CQI:

  1. تحليل أسباب الأخطاء الدوائية ومصادر الخلل في النظام.
  2. وضع خطط تصحيحية تعتمد على البيانات والإحصاءات.
  3. إشراك الفريق الصيدلاني في اتخاذ القرارات المتعلقة بالتحسين.
مثال:
بعد ملاحظة تأخر صرف بعض الوصفات، قام فريق الجودة في إحدى الصيدليات بتحليل الأسباب وتبيّن أن النظام الإلكتروني يعاني من بطء في إدخال البيانات. تم تحديث البرنامج وتقليل وقت الانتظار بنسبة 30%.

ثالثًا: سلامة المرضى

Patient Safety

سلامة المرضى
سلامة المرضى

تُعد سلامة المريض حجر الزاوية في جميع أنشطة الجودة.

في بيئة الصيدلة، تتضمن السلامة تقليل احتمالات حدوث أخطاء الدواء مثل:

  • الخطأ في الاسم التجاري أو الجرعة.
  • صرف دواء لمريض يعاني من حساسية تجاهه. 
  • عدم اكتشاف التفاعلات الدوائية المحتملة.
تعتمد سلامة المريض على ثلاثة عناصر:
  1. أنظمة العمل - تصميم الإجراءات لتقليل فرص الخطأ.
  2. التدريب المستمر - رفع وعي الصيادلة بخطر الأخطاء الشائعة.
  3. ثقافة عدم اللوم - بحيث يُشجَّع العاملون على الإبلاغ عن الأخطاء بهدف التعلم لا العقاب.

كما قال جيمس ريزن
(James Reason)
"الأخطاء ليست نتيجة أشخاص سيئين، بل أنظمة غير مثالية."

رابعًا: التقييم الذاتي ومراجعة الأداء

يُعد التقييم الذاتي أداة محورية لتحسين الجودة. إذ يُمكّن الصيدلية من تقييم مدى التزامها بالمعايير وتحديد مجالات التطوير.
تشمل خطوات التقييم الذاتي:

  1. تحديد معايير واضحة للأداء.
  2. جمع البيانات وتحليلها بانتظام.
  3. وضع خطة تحسين بناءً على النتائج.
  4. متابعة التغييرات وتحديث الإجراءات عند الحاجة.
مثال تطبيقي:
في صيدلية مجتمعية، لاحظ الفريق انخفاض رضا المرضى عن وقت الانتظار. بعد تحليل البيانات، تم تعديل آلية استقبال الوصفات وتقليل وقت الانتظار بنسبة 40%.

خامسًا: الثقافة التنظيمية للجودة

لا يمكن للجودة أن تزدهر في بيئة يغيب عنها التعاون أو الشفافية.
إن ثقافة الجودة هي الإطار الذهني والسلوكي الذي يجعل من الجودة مسؤولية جماعية.
في الصيدلية الحديثة، يجب أن يشعر كل فرد - من الصيدلي المسؤول إلى المساعد - أنه شريك في تحقيق الجودة، لا مجرد منفّذ لإجراءاتها.

ملامح ثقافة الجودة الفعالة:
  • القيادة الداعمة للتعلّم والتحسين.
  • تواصل مفتوح وصادق بين الفريق.
  • مكافأة السلوكيات التي تعزز الجودة. 
  • تبنّي فلسفة "نتعلم من الأخطاء بدلًا من إخفائها".

سادسًا: أدوات الجودة في الممارسة الصيدلانية

أدوات الجودة في الممارسة الصيدلانية
أدوات الجودة في الممارسة الصيدلانية

خاتمة: الجودة ليست مهمة قسم - بل ثقافة مؤسسة

إن ضمان الجودة في العمل الصيدلاني ليس مشروعًا مؤقتًا، بل رحلة مستمرة نحو التميز المهني وخدمة المريض بأعلى مستويات الأمان والفعالية.

حين تعمل الصيدلية وفق رؤية واضحة، وإجراءات دقيقة، وثقافة تدعم التعلم والتحسين، فإنها لا تحقق الجودة فحسب، بل تُجسّد رسالتها الإنسانية في رعاية المريض. 

وكما قالت الصيدلانية المسئولة أعلاه في قصتنا:
"الجودة لا تبدأ من النظام - بل من الإنسان الذي يختار أن يكون مسؤولًا عنها."

فريق الصيدلية أثناء الاجتماع
فريق الصيدلية أثناء الاجتماع

المراجع (References – APA Style)

Donabedian, A. (1969). Some issues in evaluating the quality of nursing care. American Journal of Public Health, 59(10), 1833–1836.
Deming, W. E. (1986). Out of the Crisis. MIT Press.
Leape, L. L. (1994). Error in medicine. JAMA, 272(23), 1851–1857.
Institute of Medicine (IOM). (1990). Medicare: A strategy for quality assurance. National Academy Press.
Reason, J. (2000). Human error: Models and management. BMJ, 320(7237), 768–770.



Yassir Shibeika
Yassir Shibeika
تعليقات