أولا: التخطيط الاستراتيجي في عمليات الصيدلة

أولا: التخطيط الاستراتيجي في عمليات الصيدلة

دليل شامل لنجاح الرعاية الصحية

في عالم الرعاية الصحية دائم التطور، لم تعد إدارة الصيدليات مجرد عملية صرف للأدوية. لقد أصبحت كيانات معقدة تتطلب رؤية مستقبلية وإدارة حكيمة للموارد والخدمات. 

يمثل التخطيط الاستراتيجي في هذا السياق، حجر الزاوية الذي يضمن للصيدلية ليس فقط البقاء، ولكن الازدهار والنمو لتصبح شريكًا أساسيًا في منظومة الرعاية الصحية.

التخطيط الاستراتيجي في عمليات الصيدلة
التخطيط الاستراتيجي في عمليات الصيدلة

يستند هذا المقال إلى الإطار المفاهيمي الوارد فى كتاب Pharmacy Management في فصل "التخطيط الاستراتيجي في عمليات الصيدلة" للمؤلفين:
الدكتور جلين ت. شوماك (Dr. Glen T. Schumock): مدير مركز بحوث اقتصاديات الأدوية والأستاذ المشارك بقسم ممارسة الصيدلة في جامعة إلينوي بشيكاغو، وهو متخصص في اقتصاديات الأدوية والتخطيط التجاري للخدمات الصيدلانية، وزميل ومسؤول مالي سابق في الكلية الأمريكية للصيدلة السريرية (ACCP).
جودوين وونج (Godwin Wong): عضو هيئة التدريس في كلية "هاس" للأعمال بجامعة كاليفورنيا، بيركلي، ومتخصص في التخطيط الاستراتيجي للشركات، وريادة الأعمال، وإدارة تكنولوجيا المعلومات، ويمتلك خبرة واسعة في قيادة ورش عمل التخطيط الاستراتيجي لمجموعات الرعاية الصحية والشركات الصيدلانية.

هذا المزيج الفريد من الخبرة السريرية والاقتصادية (د. شوماك) وخبرة الأعمال والاستراتيجية (د. وونج) يوفر الأساس المتين لفهم أهمية التخطيط الاستراتيجي في مهنة الصيدلة.

السياق المهني: لماذا يحتاج الصيدلي إلى التخطيط الاستراتيجي؟

قصة الصيدلي (محمد) حديث التخرج: كيف بدأ التخطيط الاستراتيجي؟

دعونا نأخذ مثالاً واقعيًا. (محمد)، صيدلي شاب متخرج حديثًا من كلية الصيدلة بتقدير "امتياز مع مرتبة الشرف" منذ عامين. بعد تخرجه، أكمل إقامة صيدلانية في مستشفى تعليمي مرموق، معروف بقسم الصيدلة المتميز وخدماته السريرية المتقدمة.

بعد إقامته، حصل (محمد) على وظيفة صيدلي سريري في مستشفى مجتمعي بمسقط رأسه. كان توظيفه بمثابة خطوة أولية نحو تحقيق هدف قسم الصيدلة في المستشفى لتطوير خدمات صيدلانية حديثة.

يقع المستشفى في مدينة يبلغ عدد سكانها حوالي 100,000 نسمة، ويشكل كبار السن جزءًا كبيرًا من السكان، مما يعني أن معظم الدفع يأتي من برامج الرعاية الصحية. بفضل هذا الوضع المالي المواتي والحنكة المالية للمسؤول المالي الأول (CFO) للمستشفى، يحقق المستشفى أداءً جيدًا للغاية من الناحيتين السريرية والاقتصادية.

قسم الصيدلة لديه نظام توزيع جيد، ومدير قسم صيدلة (DOP) لم يتلق تدريبًا سريريًا، لكنه يفهم قيمة هذه الخدمات.

المستشفى ينمو بسرعة، وبالتالي، تتزايد الحاجة إلى خدمات صيدلانية. نظرًا للفرص العديدة التي تواجه قسم الصيدلة، قرر مدير القسم أن القسم يجب أن يضع خطة لتوجيه أولوياته على مدى السنوات الخمس القادمة. لتحقيق ذلك، قرر مدير القسم أن القسم سيخضع لجهد تخطيط استراتيجي خلال الأشهر القليلة المقبلة.

سيبدأ هذا الجهد بمجموعة مختارة من الأفراد من داخل القسم، يمثل كل منهم وظائف ومكونات رئيسية. 

طُلب من (محمد) أن يكون جزءًا من هذه المجموعة نظرًا لدوره وخبرته السريرية، ولأن توسيع الخدمات الصيدلانية السريرية التي يقدمها القسم يُعد هدفًا من المرجح أن يكون جزءًا من هذه الخطة الاستراتيجية. نظرًا لعدم وجود تدريب أو خبرة إدارية حقيقية لدى (محمد)، أدرك الحاجة إلى معرفة المزيد عن الغرض من التخطيط الاستراتيجي والعملية التي ستكون مطلوبة لتطوير الخطة الاستراتيجية للقسم. وهذا بالضبط ما سنتعلمه معًا!

التخطيط الاستراتيجي في عمليات الصيدلة
التخطيط الاستراتيجي في عمليات الصيدلة
قد يرى الصيدلي حديث التخرج أن دوره محصور في الجانب السريري أو التقني لصرف الدواء، ولكن القادة المستقبليين في الصيدلة، مثل (محمد) في السيناريو المرفق، يدركون سريعًا أهمية المهارات الإدارية. 

(محمد)، الصيدلي السريري المتميز الذي التحق بمستشفى متنامٍ، وجد نفسه ضمن فريق التخطيط الاستراتيجي للإدارة. 

هذا الواقع يجسد التحول في مهنة الصيدلة: لم يعد التخطيط مقتصرًا على المديرين الماليين أو كبار الإداريين، بل أصبح مسؤولية مشتركة يشارك فيها كل من يسهم في تحديد مستقبل المؤسسة.

إن المستشفيات والمؤسسات الصحية، بما في ذلك أقسام الصيدلة، تعمل ضمن بيئات تنافسية تتأثر بعوامل خارجية مثل:

  • تغيرات أنظمة السداد (مثل برامج "الرعاية الصحية للمسنين" التي ذكرت كعامل إيجابي في نجاح المستشفى).
  • التطور التكنولوجي.
  • زيادة الطلب على خدمات الرعاية السريرية المتقدمة.
لذلك، يصبح التخطيط، بأوسع معانيه، هو الجهود الهادفة التي تبذلها المؤسسة لتعظيم نجاحها في المستقبل. ويُعد التخطيط أحد الوظائف الإدارية الأربع الرئيسية، جنبًا إلى جنب مع التنظيم والقيادة والتحكم، وهو يدعم الوظائف الثلاث الأخرى.
(Stoner, Freeman, and Gilbert, 1995).

1. الأنشطة التخطيطية المختلفة في مؤسسات الصيدلة والرعاية الصحية

تشارك الصيدليات ومؤسسات الرعاية الصحية في أنواع متعددة من أنشطة التخطيط، يختلف كل منها في غرضه ونطاقه الزمني وتركيزه. إن فهم هذه الأنواع يسمح للقادة، مثل مدير الصيدلية (DOP) الذي قرر إجراء التخطيط الاستراتيجي، باختيار الأداة المناسبة للوصول إلى الأهداف المطلوبة.

أنواع التخطيط في عمليات الصيدلة والرعاية الصحية
أنواع التخطيط في عمليات الصيدلة والرعاية الصحية

أنواع التخطيط: الغرض، الخصائص، والنوع

تتعدد أنواع التخطيط في المؤسسات، ولكل منها غرض أساسي وخصائص مميزة تحدد نطاقه الزمني ووجهة نظره. يمكن تصنيف هذه الأنواع الرئيسية كما يلي:

  • التخطيط الاستراتيجي (Strategic Planning)
يُعدّ التخطيط الاستراتيجي هو الأساس الذي يضمن أن المنظمة "تقوم بالأشياء الصحيحة". غرضه الرئيسي هو تحديد طبيعة العمل الذي يجب أن تكون فيه المنظمة، وتوفير إطار للتخطيط الأكثر تفصيلاً. يتميز هذا التخطيط بكونه طويل الأجل، حيث يمتد من 5 إلى 20 سنة، ويشمل نطاقه جميع جوانب المنظمة. تكون وجهة النظر في التخطيط الاستراتيجي خارجية، مركزة على تفاعل المنظمة مع بيئتها وتحديد مسارها العام.

  • التخطيط التشغيلي (Operational Planning)

يهدف التخطيط التشغيلي إلى ضمان أن المنظمة "تقوم بالأشياء بطريقة صحيحة". يقوم بتحديد المهام والأهداف الفورية اللازمة لتحقيق الاستراتيجية الموضوعة. خصائصه تجعله قصير الأجل، عادة من 1 إلى 5 سنوات، ويكون نطاقه محددًا بالإجراءات الفورية المطلوبة للمضي قدمًا. وجهة النظر هنا داخلية، وتركّز على إنجاز المهام اليومية بكفاءة.

  • التخطيط التجاري (Business Planning)
الغرض من التخطيط التجاري هو تحديد جدوى برنامج أو مشروع عمل محدد. يُستخدم هذا النوع لاتخاذ قرار الاستثمار والمضي قدمًا في البرنامج أو المشروع. يعتبر قصير الأجل، من 1 إلى 5 سنوات، ويمكن استخدامه سواء لبدء عمل جديد، أو توسيع عمل قائم، أو حتى إنهائه. إنه أداة حاسمة لتقييم الفرص التجارية.
  • تخطيط الموارد (Resource Planning)
يُعنى تخطيط الموارد بضمان توفر الموارد الضرورية لتحقيق الأهداف والاستراتيجية. تشمل هذه الموارد الجوانب البشرية، المالية، التكنولوجية، والمنشآت. يتميز هذا التخطيط بكونه متوسط الأجل، من 1 إلى 10 سنوات، ويكون نطاقه محددًا بالموارد المعرّفة في الخطة. وجهة النظر هنا داخلية، تركّز على احتياجات الموارد للمنظمة.
  • التخطيط التنظيمي (Organizational Planning)
يسعى التخطيط التنظيمي لضمان أن الهيكل الداخلي للمؤسسة مُنظَّم بشكل مناسب لمواجهة تحديات المستقبل. يشمل هذا تحديد العلاقات الإبلاغية، ووضع المسؤوليات والسلطات. هو تخطيط متوسط الأجل، يمتد من 1 إلى 10 سنوات، ونطاقه محدد بالجوانب الهيكلية للمنظمة (مثل الأقسام والتسلسل الإداري). وجهة النظر هنا داخلية، وتتعلق بكيفية تنظيم الشركة لنفسها.
  • تخطيط الطوارئ/الاستجابة (Contingency Planning)
يهدف تخطيط الطوارئ/الاستجابة إلى توفير خيار احتياطي أو اتجاه بديل في حال فشل الاستراتيجية الأصلية أو حدوث شيء غير متوقع، مثل إضراب عمالي أو كارثة طبيعية. يمكن أن يكون هذا التخطيط قصير إلى طويل الأجل، من 1 إلى 20 سنة. نطاقه محدد بالحالة الطارئة المتوقعة، وتكون وجهة النظر هنا خارجية وداخلية في آن واحد للتعامل مع التهديدات البيئية والداخلية المحتملة.

أنواع التخطيط: الغرض، الخصائص، والنوع
أنواع التخطيط: الغرض، الخصائص، والنوع

2. ما هو الغرض من التخطيط الاستراتيجي، وما الذي يميزه عن الأنواع الأخرى؟

كما يتبين من الجدول أعلاه (أنواع التخطيط في عمليات الصيدلة والرعاية الصحية)، يعتبر التخطيط الاستراتيجي من أكثر أنواع التخطيط شيوعًا وأهمية على مستوى الإدارة العليا، ولكنه يختلف جوهريًا عن الأنواع الأخرى:

  • الغرض الرئيسي: القيام بالأشياء الصحيحة
الغرض الأساسي للتخطيط الاستراتيجي هو الإجابة على سؤال محوري: "ما هو العمل الذي يجب أن تكون فيه المنظمة، أو يجب أن تسعى لتكون فيه؟"
بعبارة أخرى، يركز التخطيط الاستراتيجي على الفاعلية (Effectiveness) من خلال التأكد من أن الجهود والموارد موجهة نحو الأهداف الأبعد والأكثر تأثيرًا على مستقبل المنظمة. هذا هو الإطار الذي سيستخدمه قسم الصيدلة الذي يعمل فيه (الصيدلي محمد) لتحديد ما إذا كان توسيع الخدمات السريرية هو "الشيء الصحيح" الذي يجب القيام به خلال السنوات الخمس المقبلة.
  • الاختلاف الجوهري عن التخطيط التشغيلي
يُعد التمايز بين التخطيط الاستراتيجي والتخطيط التشغيلي هو الأوضح والأكثر أهمية للإدارة:
التخطيط الاستراتيجي (التركيز الخارجي والمستقبل): ينظر إلى البيئة الخارجية (المنافسون، أنظمة السداد، احتياجات المجتمع، التكنولوجيا الجديدة) لتحديد الاتجاه العام (النظرة طويلة الأجل من 5 إلى 20 عامًا). إنه يحدد الأهداف الكبرى.
مثال صيدلي استراتيجي: "سوف نتحول من صيدلية صرف تقليدية إلى مركز رعاية متكامل يركز على إدارة الأمراض المزمنة (مثل السكري وضغط الدم) لخدمة شريحة كبار السن في المدينة."
التخطيط التشغيلي (التركيز الداخلي والحاضر): ينظر إلى البيئة الداخلية (المهام اليومية، سير العمل، الأداء الحالي) لتحديد كيفية إنجاز العمل بفعالية وكفاءة (النظرة قصيرة الأجل من 1 إلى 5 سنوات). إنه يحدد المهام الفورية.
مثال صيدلي تشغيلي: "لتحقيق هدف التحول إلى مركز رعاية، يجب أن ننفذ برنامجًا تدريبيًا لجميع الصيادلة على بروتوكولات إدارة السكري خلال الستة أشهر القادمة، وشراء برنامج حاسوبي جديد لتتبع نتائج المرضى في الربع الأول." التخطيط الاستراتيجي يوفر الإطار، والتخطيط التشغيلي يوفر التفاصيل التنفيذية. لا يمكن للتخطيط التشغيلي أن يكون فعالًا دون استراتيجية واضحة توجهه.

3. خطوات تطوير الخطة الاستراتيجية في مؤسسة صيدلية

جدول 2: الخطوات العامة لعملية التخطيط
جدول 2: الخطوات العامة لعملية التخطيط

تطبيق الخطوات في سيناريو (الصيدلي محمد)

لنفترض أن (الصيدلي محمد) وفريق التخطيط في المستشفى اتبعوا هذه الخطوات:

  • الخطوة 1: تحديد الغرض (الرؤية والرسالة)

قبل أي شيء، يجب أن يعرف الفريق ما هو جوهر عملهم. هذا يقودنا إلى النقطتين 4 و 5 فى الجدول أعلاه حول الرؤية والرسالة.

  • الخطوة 2: تحليل الوضع الحالي (تحليل SWOT)

هنا يتم تقييم بيئة العمل:
1. نقاط القوة (Strengths): يمتلك القسم نظام توزيع جيد للأدوية، ومدير صيدلة داعم للخدمات السريرية، وصيدلي سريري مؤهل حديثًا (الصيدلي محمد).
2. نقاط الضعف (Weaknesses): نقص التدريب السريري للموظفين القدامى، ضغط العمل بسبب النمو السريع للمستشفى، الحاجة إلى تكنولوجيا معلومات متقدمة لدعم الخدمات السريرية.
3. الفرص (Opportunities): العدد الكبير من السكان المسنين (الذين يحتاجون لخدمات صيدلية سريرية لإدارة الأمراض المزمنة)، الوضع المالي الجيد للمستشفى (بفضل الإدارة المالية الواعية لـ CFO).
4. التهديدات (Threats): المنافسة من المستشفيات الأخرى في المنطقة، التغيرات المحتملة في سداد برامج الرعاية الصحية للمسنين).

  • الخطوة 3: تحديد الأهداف المستقبلية (الأهداف الاستراتيجية)

بناءً على التحليل، قد يقررون أن الهدف الاستراتيجي هو: "توسيع خدمات الرعاية الصيدلية السريرية لتغطية جميع أجنحة الرعاية الحادة الرئيسية بحلول نهاية العام الخامس للخطة."

  • الخطوة 4: تطوير الاستراتيجية

تتمثل الاستراتيجية في دمج الصيدلي السريري في فرق الرعاية متعددة التخصصات بشكل رسمي، وإنشاء عيادات صيدلية متخصصة للمرضى الخارجيين.

  • الخطوة 5 و 6: تحديد الأهداف المرحلية والمسؤوليات

الهدف المرحلي: توظيف صيدليين سريريين إضافيين في مجالي العناية المركزة والطوارئ خلال السنة الأولى.
المسؤولية/الجدول الزمني: مدير الصيدلة (DOP) مسؤول عن تأمين الميزانية والموافقة من المدير المالي (CFO) خلال الربع الأول.
الهدف المرحلي: تدريب 80% من صيادلة الصرف الحاليين على برامج المراجعة الدوائية المتقدمة.
المسؤولية/الجدول الزمني: (الصيدلى محمد) مسؤول عن تطوير وتطبيق برنامج التدريب خلال السنة الثانية.

4. ما هو بيان الرؤية (Vision Statement)، ولمن يُكتب؟

إن أول خطوة في التخطيط الاستراتيجي هي تحديد "لماذا" و"ماذا" للمؤسسة. تبدأ هذه العملية بصياغة بيان الرؤية.

  • تعريف بيان الرؤية

بيان الرؤية هو الوصف الملهم للمستقبل الذي تطمح إليه المنظمة؛ أي "ماذا نريد أن نكون؟"
يجب أن يكون البيان طموحًا وواضحًا وموجهًا للمستقبل البعيد (عادةً 10 سنوات أو أكثر). إنه بمثابة نجم القطب الذي يوجه جميع القرارات الاستراتيجية.

  • لمن يُكتب بيان الرؤية؟

يُكتب بيان الرؤية بشكل أساسي لجميع أصحاب المصلحة (Stakeholders)، ولكن الغرض الأعمق له هو إلهام وتحفيز الموظفين والقادة داخل المنظمة.
للموظفين: يمنحهم شعورًا بالهدف المشترك، ويشعل حماسهم نحو مستقبل أفضل. عندما يشعر(محمد) بأنه جزء من رؤية تسعى لتحويل الصيدلية إلى نموذج متقدم للخدمات السريرية، فإنه يبذل قصارى جهده.
للقيادة والمجلس الإداري: يوفر لهم معيارًا لاتخاذ القرارات الاستراتيجية. يجب أن يتوافق أي استثمار جديد أو برنامج جديد مع الرؤية.
مثال صيدلي لبيان الرؤية صيدلية المستشفى (الرؤية): "أن نكون المركز الرائد والمبتكر في الرعاية الدوائية المتكاملة بالمنطقة، حيث يعمل الصيدلي كشريك أساسي في كل قرار علاجي، لتحقيق أفضل النتائج الصحية لمجتمعنا."

الرؤية والرسالة
الرؤية والرسالة

5. ما هو بيان الرسالة (Mission Statement)، ولمن يُكتب؟

بعد تحديد الرؤية الطموحة، تأتي الحاجة إلى تحديد بيان الرسالة، وهو الذي يوضح السبب الحالي لوجود المنظمة.

  • تعريف بيان الرسالة

بيان الرسالة هو الوصف الموجز والمحدد للغرض الحالي للمنظمة وطبيعة عملها، أي "ما هو عملنا الآن، ومن نخدم، وما هي القيمة التي نقدمها؟"
إنه يحدد مجال العمل (من نحن؟)، العملاء (من نخدم؟)، والأنشطة الرئيسية (ماذا نفعل؟).

  • لمن يُكتب بيان الرسالة؟

يُكتب بيان الرسالة بشكل أساسي لأصحاب المصلحة الخارجيين مثل المرضى، ومؤسسات السداد، والأطباء، والجمهور العام، وأيضًا للموظفين لتعريفهم بحدود ومسؤوليات عملهم اليومي.
للجمهور والعملاء: يوضح لهم القيمة الفريدة التي تقدمها المؤسسة ولماذا يجب عليهم اختيارها.
للشركاء الخارجيين: يحدد هويتها ويوجه قرارات التعاون والشراكة.
مثال صيدلي لبيان الرسالة صيدلية المستشفى (الرسالة): "تتمثل مهمتنا في ضمان الاستخدام الآمن والفعال والاقتصادي للأدوية لجميع مرضى المستشفى والعيادات التابعة، من خلال توفير نظام صرف دقيق للجرعات، وتقديم استشارات دوائية متخصصة من قبل فريق من الصيادلة السريريين المؤهلين."

جدول 3 الرؤية والرسالة
جدول 3 الرؤية والرسالة

6. العوائق والقيود المرتبطة بالتخطيط الاستراتيجي

على الرغم من الأهمية الحاسمة للتخطيط الاستراتيجي، إلا أنه لا يخلو من التحديات والمحددات. يجب على القادة مثل مدير الصيدلية (DOP) أن يكونوا على دراية بهذه الحواجز لضمان أن العملية الاستراتيجية لا تصبح مجرد وثيقة "توضع على الرف".

A. العوائق الداخلية (المرتبطة بالمنظمة)

  • المقاومة للتغيير (Resistance to Change): قد يشعر الموظفون بالتهديد من الخطة الاستراتيجية الجديدة، خاصة إذا كانت تتضمن تغييرات جذرية في الأدوار (مثل تحويل دور الصيدلي من صرف إلى رعاية سريرية، كما هو الحال في سيناريو الصيدلي محمد).
قصة مصغرة: صيدلي بخبرة 20 عامًا يرى أن دوره التقليدي فعال، ويعتبر التدريب على بروتوكولات سريرية متقدمة عبئًا إضافيًا، مما يخلق مقاومة لجهود (الصيدلي محمد) لـ "تطوير الخدمات".
  • نقص الموارد أو تخصيصها غير الفعال: التخطيط يتطلب وقتًا وموظفين مؤهلين. إذا لم يخصص المدير الوقت الكافي أو لم يشرك الموظفين المناسبين (مثل موظفي الخط الأمامي أو الصيدلي السريري)، ستفشل الخطة.
  • عدم الالتزام أو التواصل الضعيف: إذا كانت الخطة الاستراتيجية موجودة فقط في مكتب المدير ولم يتم توصيلها بشكل واضح ومستمر إلى جميع المستويات، فلن يتمكن الموظفون من مواءمة أنشطتهم اليومية معها.
  • التركيز المفرط على التشغيل اليومي: الضغوط اليومية (مثل ضمان سلاسة التوزيع أو حل مشكلات المخزون) يمكن أن تشتت انتباه الإدارة العليا عن الأهداف الاستراتيجية طويلة الأجل، وهي ظاهرة تعرف بـ "الإطفاء اليومي للحرائق".

B. العوائق الخارجية (المرتبطة بالبيئة)

  • البيئة الديناميكية والمتقلبة (Dynamic Environment): عالم الرعاية الصحية يتغير باستمرار (اكتشاف أدوية جديدة، قوانين سداد جديدة، أوبئة غير متوقعة). يمكن لخطة استراتيجية وُضعت لمدة 5 سنوات أن تصبح قديمة في غضون عام واحد.
  • صعوبة التنبؤ (Forecasting Difficulty): التنبؤ بمتغيرات مثل أسعار الأدوية، أو معدلات سداد شركات التأمين، أو التغيرات التكنولوجية في الرعاية الصحية، هو أمر صعب ويشوبه عدم اليقين.
  • المبالغة في التخطيط (Over-planning): قد يؤدي الإفراط في التفاصيل والتحليل (ما يعرف بـ "شلل التحليل") إلى تأخير التنفيذ. يجب أن تكون الخطة قابلة للتكيف.

C. قيود التخطيط نفسه

  • التكلفة: قد تتطلب عملية التخطيط الاستراتيجي، خاصة مع الاستعانة بمستشارين خارجيين (كما أشار النص)، استثمارًا كبيرًا في الوقت والمال.
  • التخطيط لا يضمن التنفيذ: الخطة هي مجرد وثيقة؛ النجاح يعتمد كليًا على التنفيذ الفعال والمراقبة المستمرة.
العوائق والقيود المرتبطة بالتخطيط الاستراتيجي
العوائق والقيود المرتبطة بالتخطيط الاستراتيجي

7. سيناريوهات تطبيق التخطيط

لتعميق فهم المفاهيم، سنستعرض المزيد من الأمثلة والسيناريوهات القصصية في سياقات صيدلية مختلفة:  

السيناريو 1: التخطيط التجاري لخدمة جديدة (الصيدلية المجتمعية)

الخلفية: صيدلية مجتمعية في منطقة ذات كثافة سكانية عالية من الشباب الذين يستخدمون تطبيقات الصحة واللياقة. يدرس مدير الصيدلية إطلاق خدمة جديدة لمراجعة الأدوية ومراقبة الالتزام عبر تطبيق هاتفي.

نوع التخطيط المطلوب: التخطيط التجاري (Business Planning).

الهدف: تحديد جدوى الخدمة.

مثال التوسع في الشرح: يجب على الخطة التجارية أن تتضمن فصولاً محددة مثل:

  • تحليل السوق: هل العملاء مستعدون للدفع مقابل خدمة رقمية؟ ما هي أسعار المنافسين؟
  • التخطيط المالي: حساب التكلفة الأولية لتطوير التطبيق (أو شراء ترخيص) ورواتب الموظفين الجدد (Resource Planning)، وتوقع الإيرادات المتوقعة من الاشتراكات.
  • التخطيط التشغيلي: وصف سير العمل اليومي للخدمة (كيف سيتم دمج الاستشارات الافتراضية في جدول الصيدلي اليومي).

النتيجة الاستراتيجية: إذا أثبتت الخطة التجارية أن الخدمة مجدية ومربحة، يمكن تضمينها كـ هدف مرحلي ضمن الخطة الاستراتيجية الأوسع للصيدلية لتصبح "مقدم الرعاية الدوائية الرقمي الأول في المنطقة."

السيناريو 2: تخطيط الموارد البشرية (Resource Planning) لمستقبل الصيدلة السريرية

الخلفية: يهدف قسم الصيدلة (كما في حالة الصيدلي محمد) إلى التوسع في الرعاية السريرية. وهذا يتطلب تخطيطًا للموارد البشرية (وهو نوع فرعي من تخطيط الموارد).

التوسع في الشرح: التخطيط الاستراتيجي يحدد الهدف (التوسع السريري). تخطيط الموارد البشرية يحدد كيف سنصل بالموظفين إلى هناك:

  • الوضع الحالي: لدينا 5 صيادلة سريريين متخصصين (بما في ذلك محمد) و 10 صيادلة صرف.
  • الهدف المرحلي: نحتاج إلى 10 صيادلة سريريين متخصصين إضافيين في السنوات الخمس القادمة.
  • الاستراتيجية:
التوظيف الخارجي: تخصيص ميزانية لتوظيف 5 صيادلة حاصلين على تدريب إقامة (Residency) خلال العامين الأولين (مسؤولية مدير الصيدلة).
التطوير الداخلي: إطلاق برنامج رعاية داخلية لـ 5 من صيادلة الصرف الحاليين لتمكينهم من الحصول على شهادة متخصصة (BCPS) (مسؤولية الصيدلي محمد/مدير التعليم).

السيناريو 3: التخطيط التنظيمي (Organizational Planning) استجابة للتغيير

الخلفية: قرر المستشفى دمج صيدلية المرضى الداخليين وصيدلية العيادات الخارجية تحت إدارة واحدة لزيادة الكفاءة.

التوسع في الشرح: يتطلب هذا تخطيطًا تنظيميًا لإعادة هيكلة العلاقات الإبلاغية وتحديد السلطات.

القرار الاستراتيجي: يتم دمج الوحدتين. 

الخطة التنظيمية: إنشاء منصب "نائب مدير العمليات الصيدلية" للإبلاغ المباشر لمدير الصيدلة (DOP) والإشراف على كلا الصيدليتين، وتحديد بروتوكول موحد لإدارة المخزون يتبعه الجميع. يهدف هذا إلى ضمان أن الهيكل الجديد يلبي تحديات المستقبل (زيادة الكفاءة والتحكم).

المراجع الأكاديمية والمؤسسية   

يستند هذا المقال بشكل رئيسي إلى المفاهيم الإدارية والاقتصادية الدوائية التي تمثل مجالات تخصص المؤلفين:

  • ACCP (American College of Clinical Pharmacy): الكلية الأمريكية للصيدلة السريرية، وهي الجهة التي نشرت برنامج التقييم الذاتي للعلاج الدوائي (PSAP) الذي يشرف عليه د. شوماك، مما يؤكد على أهمية دمج التفكير الاستراتيجي في الممارسة السريرية المتقدمة.
  • المفاهيم الإدارية العامة: إشارة إلى Stoner, Freeman, and Gilbert, 1995 كمصدر لمفهوم التخطيط كأحد الوظائف الإدارية الأربعة، مما يؤكد أن التخطيط الاستراتيجي في الصيدلة هو تطبيق لمفاهيم الأعمال الأساسية.
  • شوماك (Schumock) وونج (Wong): (المصدر الأساسي) فصل "التخطيط الاستراتيجي في عمليات الصيدلة"، والذي يعكس خبرة د. شوماك في اقتصاديات الأدوية وتقييم المنافع الاقتصادية للخدمات الصيدلية السريرية (كما ورد في مقتطفات من بحوثه المنشورة)، وخبرة د. وونج في التخطيط الاستراتيجي للشركات.
Pharmacy Management
Pharmacy Management

Pharmacy Management
Pharmacy Management


Yassir Shibeika
Yassir Shibeika
تعليقات